أشعلت مشاهد إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، مشاعر الأردنيين
وعواطفهم، وسادت أجواء الحزن أوساط المواطنين الذين طالما اعتبروا الرجل
"رمزا من رموز التحدي في وجه الغطرسة الأمريكية"، وهي المشاعر التي أدخلت
العلاقة الشعبية الأردنية في جدل كبير مع مواطنين عراقيين وخليجيين،
قيّموا الرجل بمعايير مختلفة.
وبعد أن استفاق الأردنيون من صدمة الإعدام، بدأوا يلملمون جراحهم محاولين
صياغة تلك الحادثة وتحويلها إلى قصص تروى، وعلى حد قول بعض المحللين، فإن
رباطة الجأش التي أبداها الرئيس السابق في لحظات حياته الأخيرة، كافية
لصياغة عدد من "الأساطير" و"الشائعات" التي تلقى رواجا وقبولا أكثر من تلك
الروايات الإعلامية التي وثقت بالصوت والصورة.
ويؤكد الحاج أبو منذر، وهو مواطن أردني من أصل فلسطيني، يسكن مخيم الوحدات
للاجئين الفلسطينيين جنوب العاصمة عمّان، أن صدام حسين ردد قبل نزوله في
حفرة الإعدام "تحيا فلسطين"، وكررها ثلاث مرات، ولم تفلح محاولات شخص آخر
في المجلس بإقناع الحاج السبعيني، بأن صدام ردد الشهادتين فقط، وتهكم على
شهود عملية الإعدام قبل أن تفتح كوة المشنقة، وانضم للحاج أبو منذر عدد
آخر من الحضور مؤكدين ترديده لعبارة "تحيا فلسطين".
ويرى الدكتور فواز بركات، الأكاديمي المتخصص بعلم الاجتماع في إحدى جامعات
الأردن، أن تلك الحالة تعكس عدة أمور منها "مدى التعلق الكبير بشخص الرئيس
السابق، الذي انفرد دون غيره من الزعماء العرب بإطلاق صواريخ على
الإسرائيليين.. وتعكس كذلك تأثير العاطفة الباطنة على صياغة المشهد".
ويضيف بركات "يبدو أن التأثير العاطفي أكبر من التأثير الإعلامي في تلك
الحالة.. حيث تصبح المعلومات الموثقة من الإعلام والتي لا تتماشى مع
الحالة العاطفية مرفوضة حكما، ليصار إلى صياغة معلومات من الخيال تتناسب
مع الحالة العاطفية والنفسية للمتلقي"، حسب تحليله.
وعلى الرغم من تسرب تصوير فيديو، يوثق ما جرى في اللحظات الأخيرة من إعدام
صدام حسين، والعبارات والكلمات التي رددها، إلا أن ذلك لم يقنع الكثير من
الأردنيين، الذين أكدوا أن معلومات "تسربت إليهم" تشير إلى أن صدام هتف
لفلسطين والأمة العربية، فيما يقول آخرون إن معلومات سمعوها من "مصادر
موثوقة" تقول إن الرجل "لكم" أحد جلاديه قبل صعوده إلى منصة الإعدام، حيث
تم توثيقه بشدة بعد ذلك.
كتب 15 وصية
ورصد مراسل "قدس برس" في العاصمة عمّان نحو 15 رسالة، يجري تناقلها بين
المواطنين عبر عدد من الوسائل، تشير كل واحدة منها إلى أنها "الوصية" التي
كتبها صدام قبيل تنفيذ حكم الإعدام فيه.
وتشير مصادر إلى أن كل محام من محامي الرئيس الراحل نقل عنه وصية ما، إلا
أن بنات الرئيس المقيمات في الأردن وزوجته المقيمة في الدوحة لم يتلقيا أي
وصية من الرجل حتى الآن، في الوقت الذي قال فيه أحد محامي الرئيس السابق
إن وصيته وكافة متعلقاته ما زالت بحوزة الحكومة العراقية ولم يفرج عنها
حتى الآن.
ويقول ناشطون إسلاميون في الأردن متعاطفون مع صدام، إن الوصية التي وصلتهم
تشير إلى أن الرجل أوصى بأسلمة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان زعيما
له، وتشير الوصية إلى أن صدام بدأ بالفعل مشروعا لأسلمة الحزب الذي طالما
اصطدم مع الإسلاميين.
"توزيع النفط مجانا على الشعوب العربية"
أما البعثيون فإنهم يؤكدون أن وصية صدام كانت التأكيد على ضرورة دعم
الشعوب العربية والإسلامية لكي تتم إعادة الحزب إلى حكم العراق، أما
المواطنون العاديون فإنهم يتناقلون وصية عبر البريد الإلكتروني تشير إلى
الرئيس صدام أوصى بأن يتم توزيع النفط العراقي توزيعا عادلا على كافة
الشعوب العربية، مستذكرين المنحة النفطية التي كانت تصل إلى بلادهم خلال
العقدين الماضيين.
وربط مواطنون أردنيون أزمة المحروقات التي دهمت البلاد الأسبوع الماضي،
برحيل صدام حسين، الذي طالما زودهم بالنفط المجاني. خصوصا أن موجة البرد
الشديد هذه المرة، صحبها انقطاع الغاز، الذي تعتمد عليه بيوت الأردن في
الحصول على الدفء، من الأسواق، في أجواء كان الحزن فيها سيد الموقف هناك،
بسبب الإعدام الشهير.
صورته على سطح القمر
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فمرة أخرى تمكن عدد من الأردنيين من
مشاهدة وجه صدام على سطح القمر، وهي نفس الحالة التي أصابتهم عشية إقدام
صدام على احتلال الكويت عام 1990، ويؤكد المواطنون أن القمر الذي كان
مكتملا في حال البدر ليلة الرابع من كانون ثاني (يناير) الجاري بعد أربعة
أيام على الإعدام، كان يضم في طيات تضاريسه صورة لوجه الرئيس صدام مبتسما.
شعر المتنبي ينسب إلى صدام
أما تلك الأشعار التي يجري تداولها، فهي الأخرى تصب في نفس المسار، فقصائد
المتنبي وأبو تمام وحتى أبو القاسم الشابي، بدأت تتسلل عبر البريد
الإلكتروني وأجهزة الهاتف النقال للأردنيين على أساس أنها قصائد كتبها
صدام أثناء الأسر وقبيل إعدامه.
ويقول مقربون من الرئيس العراقي السابق، إن الرسائل التي نقلت عنه خلال
فترة أسره لدى الأمريكيين في العراق "لا تشير إلى أنه هو كاتبها بالنظر
إلى إمكانياته الشخصية في الكتابة"، مرجحين أن يكون هو من صاغ أفكارها
الرئيسة فيما تولى أحد محاميه صياغتها اللغوية، موضحين في الوقت ذاته أن
هناك محاولات لصدام حسين في كتابة الشعر الحر، الذي لا يخضع لأوزان الشعر
العربي، مشيرين إلى أنها محاولات بسيطة ولم تجد النور.
وبحسب ما يتم تناقله بين الأردنيين حاليا من قصائد منسوبة للرئيس صدام
كتبها أثناء الأسر، فإن صدام تمكن من تأليف ديوان شعر كامل في ثلاث سنوات!
ثقافة الأسطورة
ويؤكد الدكتور بركات في تصريحات لـ "قدس برس"، أنه في مثل حالة إعدام صدام
حسين، فإن "العقل الباطن الذي يختزن كمّا كبيرا من المشاعر يبدأ في
التأثير على واقع الإنسان وتصرفاته" معتبرا أن ما تم مشاهدته على سطح
القمر "هو من مخزون العقل الباطن"، ويشير الأكاديمي والخبير الأردني، إلى
ثقافة "الأسطورة" في العقلية العربية وتأثير العاطفة على صنعها، معتبرا أن
ذلك أسهم "إلى حد ما في صنع صورة صدام حسين في الذهنية الأردنية".
ورجح بركات أن يبقى صدام حالة سياسية في ثقافة الأردنيين، مستبعدا أن يسهم
الجدل الدائر حول شخصيته "في طي صفحته في القلوب"، مشبها تلك الحالة بذات
الظروف التي أسهمت في بروز الظاهرة "الناصرية" في إشارة إلى الزعيم المصري
الراحل جمال عبد الناصر".. "تبقى بعض الإنجازات بارزة أمام الجمهور، أما
تلك القضايا المثيرة للجدل أو حتى ما يوصف بالجرائم فإنها تنسى"، مؤكدا في
الوقت ذاته "الرأي العام لدينا (في الأردن) معقد جدا ويخضع لحسابات
متداخلة.. ويمتاز بالجموح الكبير" وفق ما يرى.
يشار إلى أن نخبا علمية وأكاديمية وحتى سياسية، تناقلت الجزء الأكبر من
الشائعات التي ظهرت بعد تنفيذ حكم الإعدام، ويرى مراقبون، أن قوى حزبية
وسياسية، هي الأخرى أسهمت في تعزيز هذه الشائعات وترسيخها في عقلية
المواطنين.
وعواطفهم، وسادت أجواء الحزن أوساط المواطنين الذين طالما اعتبروا الرجل
"رمزا من رموز التحدي في وجه الغطرسة الأمريكية"، وهي المشاعر التي أدخلت
العلاقة الشعبية الأردنية في جدل كبير مع مواطنين عراقيين وخليجيين،
قيّموا الرجل بمعايير مختلفة.
وبعد أن استفاق الأردنيون من صدمة الإعدام، بدأوا يلملمون جراحهم محاولين
صياغة تلك الحادثة وتحويلها إلى قصص تروى، وعلى حد قول بعض المحللين، فإن
رباطة الجأش التي أبداها الرئيس السابق في لحظات حياته الأخيرة، كافية
لصياغة عدد من "الأساطير" و"الشائعات" التي تلقى رواجا وقبولا أكثر من تلك
الروايات الإعلامية التي وثقت بالصوت والصورة.
ويؤكد الحاج أبو منذر، وهو مواطن أردني من أصل فلسطيني، يسكن مخيم الوحدات
للاجئين الفلسطينيين جنوب العاصمة عمّان، أن صدام حسين ردد قبل نزوله في
حفرة الإعدام "تحيا فلسطين"، وكررها ثلاث مرات، ولم تفلح محاولات شخص آخر
في المجلس بإقناع الحاج السبعيني، بأن صدام ردد الشهادتين فقط، وتهكم على
شهود عملية الإعدام قبل أن تفتح كوة المشنقة، وانضم للحاج أبو منذر عدد
آخر من الحضور مؤكدين ترديده لعبارة "تحيا فلسطين".
ويرى الدكتور فواز بركات، الأكاديمي المتخصص بعلم الاجتماع في إحدى جامعات
الأردن، أن تلك الحالة تعكس عدة أمور منها "مدى التعلق الكبير بشخص الرئيس
السابق، الذي انفرد دون غيره من الزعماء العرب بإطلاق صواريخ على
الإسرائيليين.. وتعكس كذلك تأثير العاطفة الباطنة على صياغة المشهد".
ويضيف بركات "يبدو أن التأثير العاطفي أكبر من التأثير الإعلامي في تلك
الحالة.. حيث تصبح المعلومات الموثقة من الإعلام والتي لا تتماشى مع
الحالة العاطفية مرفوضة حكما، ليصار إلى صياغة معلومات من الخيال تتناسب
مع الحالة العاطفية والنفسية للمتلقي"، حسب تحليله.
وعلى الرغم من تسرب تصوير فيديو، يوثق ما جرى في اللحظات الأخيرة من إعدام
صدام حسين، والعبارات والكلمات التي رددها، إلا أن ذلك لم يقنع الكثير من
الأردنيين، الذين أكدوا أن معلومات "تسربت إليهم" تشير إلى أن صدام هتف
لفلسطين والأمة العربية، فيما يقول آخرون إن معلومات سمعوها من "مصادر
موثوقة" تقول إن الرجل "لكم" أحد جلاديه قبل صعوده إلى منصة الإعدام، حيث
تم توثيقه بشدة بعد ذلك.
كتب 15 وصية
ورصد مراسل "قدس برس" في العاصمة عمّان نحو 15 رسالة، يجري تناقلها بين
المواطنين عبر عدد من الوسائل، تشير كل واحدة منها إلى أنها "الوصية" التي
كتبها صدام قبيل تنفيذ حكم الإعدام فيه.
وتشير مصادر إلى أن كل محام من محامي الرئيس الراحل نقل عنه وصية ما، إلا
أن بنات الرئيس المقيمات في الأردن وزوجته المقيمة في الدوحة لم يتلقيا أي
وصية من الرجل حتى الآن، في الوقت الذي قال فيه أحد محامي الرئيس السابق
إن وصيته وكافة متعلقاته ما زالت بحوزة الحكومة العراقية ولم يفرج عنها
حتى الآن.
ويقول ناشطون إسلاميون في الأردن متعاطفون مع صدام، إن الوصية التي وصلتهم
تشير إلى أن الرجل أوصى بأسلمة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان زعيما
له، وتشير الوصية إلى أن صدام بدأ بالفعل مشروعا لأسلمة الحزب الذي طالما
اصطدم مع الإسلاميين.
"توزيع النفط مجانا على الشعوب العربية"
أما البعثيون فإنهم يؤكدون أن وصية صدام كانت التأكيد على ضرورة دعم
الشعوب العربية والإسلامية لكي تتم إعادة الحزب إلى حكم العراق، أما
المواطنون العاديون فإنهم يتناقلون وصية عبر البريد الإلكتروني تشير إلى
الرئيس صدام أوصى بأن يتم توزيع النفط العراقي توزيعا عادلا على كافة
الشعوب العربية، مستذكرين المنحة النفطية التي كانت تصل إلى بلادهم خلال
العقدين الماضيين.
وربط مواطنون أردنيون أزمة المحروقات التي دهمت البلاد الأسبوع الماضي،
برحيل صدام حسين، الذي طالما زودهم بالنفط المجاني. خصوصا أن موجة البرد
الشديد هذه المرة، صحبها انقطاع الغاز، الذي تعتمد عليه بيوت الأردن في
الحصول على الدفء، من الأسواق، في أجواء كان الحزن فيها سيد الموقف هناك،
بسبب الإعدام الشهير.
صورته على سطح القمر
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فمرة أخرى تمكن عدد من الأردنيين من
مشاهدة وجه صدام على سطح القمر، وهي نفس الحالة التي أصابتهم عشية إقدام
صدام على احتلال الكويت عام 1990، ويؤكد المواطنون أن القمر الذي كان
مكتملا في حال البدر ليلة الرابع من كانون ثاني (يناير) الجاري بعد أربعة
أيام على الإعدام، كان يضم في طيات تضاريسه صورة لوجه الرئيس صدام مبتسما.
شعر المتنبي ينسب إلى صدام
أما تلك الأشعار التي يجري تداولها، فهي الأخرى تصب في نفس المسار، فقصائد
المتنبي وأبو تمام وحتى أبو القاسم الشابي، بدأت تتسلل عبر البريد
الإلكتروني وأجهزة الهاتف النقال للأردنيين على أساس أنها قصائد كتبها
صدام أثناء الأسر وقبيل إعدامه.
ويقول مقربون من الرئيس العراقي السابق، إن الرسائل التي نقلت عنه خلال
فترة أسره لدى الأمريكيين في العراق "لا تشير إلى أنه هو كاتبها بالنظر
إلى إمكانياته الشخصية في الكتابة"، مرجحين أن يكون هو من صاغ أفكارها
الرئيسة فيما تولى أحد محاميه صياغتها اللغوية، موضحين في الوقت ذاته أن
هناك محاولات لصدام حسين في كتابة الشعر الحر، الذي لا يخضع لأوزان الشعر
العربي، مشيرين إلى أنها محاولات بسيطة ولم تجد النور.
وبحسب ما يتم تناقله بين الأردنيين حاليا من قصائد منسوبة للرئيس صدام
كتبها أثناء الأسر، فإن صدام تمكن من تأليف ديوان شعر كامل في ثلاث سنوات!
ثقافة الأسطورة
ويؤكد الدكتور بركات في تصريحات لـ "قدس برس"، أنه في مثل حالة إعدام صدام
حسين، فإن "العقل الباطن الذي يختزن كمّا كبيرا من المشاعر يبدأ في
التأثير على واقع الإنسان وتصرفاته" معتبرا أن ما تم مشاهدته على سطح
القمر "هو من مخزون العقل الباطن"، ويشير الأكاديمي والخبير الأردني، إلى
ثقافة "الأسطورة" في العقلية العربية وتأثير العاطفة على صنعها، معتبرا أن
ذلك أسهم "إلى حد ما في صنع صورة صدام حسين في الذهنية الأردنية".
ورجح بركات أن يبقى صدام حالة سياسية في ثقافة الأردنيين، مستبعدا أن يسهم
الجدل الدائر حول شخصيته "في طي صفحته في القلوب"، مشبها تلك الحالة بذات
الظروف التي أسهمت في بروز الظاهرة "الناصرية" في إشارة إلى الزعيم المصري
الراحل جمال عبد الناصر".. "تبقى بعض الإنجازات بارزة أمام الجمهور، أما
تلك القضايا المثيرة للجدل أو حتى ما يوصف بالجرائم فإنها تنسى"، مؤكدا في
الوقت ذاته "الرأي العام لدينا (في الأردن) معقد جدا ويخضع لحسابات
متداخلة.. ويمتاز بالجموح الكبير" وفق ما يرى.
يشار إلى أن نخبا علمية وأكاديمية وحتى سياسية، تناقلت الجزء الأكبر من
الشائعات التي ظهرت بعد تنفيذ حكم الإعدام، ويرى مراقبون، أن قوى حزبية
وسياسية، هي الأخرى أسهمت في تعزيز هذه الشائعات وترسيخها في عقلية
المواطنين.